قبل أن ابدأ في سرد أسبابي دعوني أوضح بعض غبش العنوان و بالأخص نهايته، الصورة بالجانب هي لمشهد من فيلم “عطر امرأة”، فيلم يكفي لـ آل باتشينو وجوده في سجلاته (جائزة الأوسكار الوحيدة نالها بسببه).
لكن ما الرابط؟
الاقتباس التالي أحد الأسباب
Lt. Col. Frank Slade: Are you blind? Are you blind?
Charlie Simms: Of course not.
Lt. Col. Frank Slade: Then why do you keep grabbing my goddamn arm? I take your arm.
Charlie Simms: I’m sorry.
Lt. Col. Frank Slade: Don’t be sorry. How would you know? You’ve been watching MTV all your life.
الكولونيل المتقاعد العسكري بالجيش فرانك سادل (الأعمى في هذا الدور) يعاتب مرافقه الشاب شارلي في طريقة توجيهه خلال سيرهما في أحد مشاهد الفيلم، فرانك يطلب من شارلي عدم إمساك ذراعه لإن فرانك هو من ينبغي عليه أن يمسك بذراع شارلي خلال سيرهما، الطلب قد يبدو غريباً لكن الفرق بين الحركتين جوهري لمن فقد بصره، شارلي أعتذر لفرانك و حينها قال له فرانك جملة اخترتها أن تكون المدخل لتدوينتي؛ قال له: لا تعتذر، كيف لك أن تعلم و أنت كنت تشاهد قناة أم تي في (الخاصة بالموسيقى) طيلة حياتك.
كيف لنا أن نعلم عن الأمور إن كنا مشغولين عن غيرها، كيف لنا أن نعلم الفرق بين أنّ نمارس أمراً مع مرضانا بطريقة علاجية معينة و بين روعة إمكانية ممارسته بطريقة علاجية أفضل نتعرّف فيها على أفكارهم و نتناول فيها طفولتهم و نتعرف على ذواتهم النفسية من خلال التدريب على العلاج النفسي لكن لم نتعلّمها نحن الأطباء لإنشغالنا بأشياء أخرى خلال درب تخصصنا!
الفرق في حالة فرانك أن تشارلي سيقوده في غالب الأمر لمبتغاه حتى لو أمسك ذراعه بالطريقة الخاطئة ،، لكن نحن مع مرضانا ربما ليس في كل الأحوال يحدث ذلك.
هنا مشهد الاقتباس .. و بالمناسبة لنا وقفة أخرى مع اقتباسات هذا الفيلم.
سعدت كثيراً عندما علمت من أحد أصدقائي المتدربين ببرنامج الطب النفسي بالسعودية بإلزامية تدريب الأطباء المتدربين على العلاج النفسي خلال سنوات تدريبهم، كما فهمت من (صديقي الطبيب) أن القرار نسبياً حديث و كما فهمت (و أيضاً استغربت) أن التدريب هو فترة بسيطة و يكون فقط بحضور المتدربين في غالب الأمر كمستمعين لجلسات علاج نفسي يقوم بها أخصائيين نفسيين و ليس بالفعل تدريبهم على ممارسة ذات العلاج النفسي، عموماً .. صديقي أخبرني أنه مع الأزمة الحالية من عدم تمكّن المتدربين في سنتهم الأخيرة من الاستعداد جيداً لاختبارهم النهائي بالبرنامج فكانت أحد الحلول المطروحة هو الغاء جزئية تدريب العلاج النفسي لكي يستعد المتدربين للاختبار النهائي، نعم .. الفكرة الغاء جزء تدريبي لجانب مهم و مفصلي و هو متغلغل في كل تخصصنا النفسي من أجل اختبار ليس بالضرورة عادل و يعكس مستوى الطبيب الحقيقي و ليس كل الأنظمة التدريبية العالمية تقوم به، للأسف الاقتراح في جملة أخرى هو الغاء ركيزة و غاية من أجل وسيلة نقيس بها هذه الغايات (و إن كان الإلغاء هنا منطقي لعدم منطقية شكل تدريب العلاج النفسي بهذا الوضع من الاستماع في العيادة و فقط بدون الممارسة).
من هنا و من أجل صديقي لم أستطع إلا أن أفكر في كتابة تدوينة أضع فيها أسباباً أراها في وجهة نظري تعزّز من أهمية تدريب العلاج النفسي في تدريب الأطباء النفسيين.
السبب الأوللإننا أصبحنا أطباء نفسيين من أجل العلاج النفسي!
إحدى الصورتين لرجل اسمه جورج بروفيسور علاج نفسي و الآخر جون و هو استشاري طب نفسي و كلاهما بجامعة بريتيش كولومبيا في فانكوفر بكندا، قاما بدراسة لطيفة قبل عدة سنوات على الأطباء المتدربين ببرنامج الطب النفسي بكندا و كان يريدون من خلالها بحث نظرة هؤلاء الأطباء اليانعين للعلاج النفسي و العوامل التي تحدد رغبتهم في التدرب عليه و ممارسته بعد انتهاء التدريب، ٦٨٪ منهم يروا العلاج النفسي هو الشيء الذي جعلهم في الأساس أطباء نفسيين، ٨٧٪ منهم يرون ممارسة العلاج النفسي هو جزء أساسي من هويتهم كأطباء نفسيين، دراسة أخرى على الأطباء المتدربين ببرنامج تدريب الطب النفسي الأمريكي و توصلت تقريباً إلى نفس النتائج بل و متعطشين لأكثر حسب دراسة أخرى.
نعم يا أعزاء .. ذلك طالب الطب اليانع أو طبيب الإمتياز الذي أحلامه مرتبطة بكونه طبيباً نفسياً فإنّ غالب الأمر أحلامهم تكون مرتبطة بذلك المشهد البحت من العلاج النفسي، هم يرون أنفسهم يحادثون مرضاهم و يشاركون لحظاتهم الإنسانية من الألم و الحزن و حديث الأفكار و نزاعات النفس و الطفولة، هم من أجل هذا في غالب الأمر اختاروا أن يكونوا أطباء نفسيين و ليست ال ١٥ دقيقة المستعجلة من السؤال و قياس الأعراض الجانبية و صرف الدواء، بل حتى الإستشاريين للطب النفسي في دراسة بريطانية رغم انحدار دقائق العلاج النفسي في عياداتهم لكن ما زالت فكرة المواجدة العاطفية مع مرضاهم هي السبب الأول لكونهم أطباء نفسيين، و التقرير الحديث جداً عن وضع الأطباء في أمريكا كانت أعلى سببين لاختيار الأطباء النفسيين التخصص هي:
١- مساعدتهم للعالم كي يصبح أفضل بمساعدة المرضى.
٢- الامتنان و الشكر من المرضى.
إذن نحن نتحدث عن أمور لا نتعلمها في غالب الأمر من كتب الطب النفسي و هي بعيدة عن فكرة العلوم البحتة من الطب و الأدوية، الملفت أن بعض الدراسات وجدت و هذه إحداها أن من أهم الأمور المنفرة من الطب النفسي لطلاب الطب كانت الحالات الطبية المزمنة التي يرونها حين دراستهم للتخصص في كليات الطب بالطبع بعد تندّر الطلاب من ذات التخصص و أزمة الوصمة حوله.
السبب الثانيلإن العلاج النفسي يدخل في كل شيء مقارنة بغيره!
صعب تصوّر حذاقة شخص في حرفة إن لم يكن على ممارسة لكل جوانبها، غير مستساغ وجود طبيب في أي تخصص طبي يقول أنه لم يمارس جزء مهم من تخصصه لأي سبب، و هذا السياق مع الطب النفسي بالذات هو أوضح، العلاج النفسي حرفياً يدخل في جلّ جوانب تخصصنا الطبي، بل كثيرة هي الإطروحات العلمية التي تتحدث عن التأثير البيولوجي و الجيني للعلاج النفسي على أدمغتنا حتى أعتى الحالات من المقاومة العلاجية في أصعب التشخيصات فإن العلاج النفسي إن لم يكن منفرداً في إثباتات قوة مفعوله فإنك ستجد حتماً دراسات تدعم طرائقه، كيف لنا كقائمين على تدريب الأطباء النفسيين أن نتهاون أو نتجاوز في تدريبهم عن مهارات هي متعمقة في كل التخصص، بل أن الطبيب النفسي هو الوحيد في مجال الصحة النفسية من يستطيع الجمع بين الحسنيين من العلاج الدوائي و النفسي فلماذا الحرمان من فتح النافذة لهم؟!
لا أقلل من العلاج الدوائي و أنا من معشر الأطباء، أذكر أنني حضرت ملتقى نفسي بالسعودية و المقدّم للندوة مدح الأطباء النفسيين المقدمين للندوة لإنهم كذلك متخصصين في العلاج النفسي و هذا الشيء يقلّل من وصمة الطب النفسي، حينهاً أنا من أتغاضى المشاركة و الدخول في النقاشات خرجت عن صمتي و تحدثت أن إلباس الوصمة على جزء من التخصص على حساب جزء آخر هو توصيم لكامل التخصص النفسي، على الدواء النفسي نراهن و عليه أحياناً نراهن فقط مع كثير من مرضانا لذلك التوازن في الحكم حنكة و فطنة، و كلنا نعلم خجل تطورات العلاج الدوائي في مجالنا بشكل جليّ، و أحد الدلائل على ذلك أن أول علاج نفسي دوائي تم تطويره من الاسترالي جون كاد في أربعينيات القرن الماضي هو الليثيوم و ما زال هو الزعيم الأكثر فعالية في ثنائي القطب بالرغم من توالي العلاجات الكثيرة من بعده و الكلوزابين ليس عنه ببعيد.
السبب الثالثفقه البشر .. لا تعلمنا إياه كتب الطب!
التدريب على العلاج النفسي يجعل المتدرب يرى الأمور من زوايا لم تلقنّه إياها كتب الطب و لا (أغلب) عيادات الأطباء النفسيين، التدريب على نواحي من العلاج النفسي فيه احتكاك أعمق مع الذات البشرية، حين التدريب نتفكّر أكثر في مرضانا و من يشرف علينا يشاركنا التفكير و التوجيه، تصقلنا هذه اللقاءات مع المرضى و مشرفي التدريب و تصقلنا تلك تسجيلات الفيديو التي نرى فيها ذاتنا و ذوات مرضانا و ينالنا التوجيه عليها، التدريب على العلاج النفسي يجعل الطبيب (يعامل) كل مريضٍ يدخل عيادته على أنه مشروع و كيان متفرّد مختلف عن بقية المرضى و لو كانوا يملكون ذات الأعراض و التشخيص (لاحظوا قلت يعامل و ليس يرى أو يعلم لإن العلم بالشيء ليس مدعاة للعمل على إثره)، التدريب على العلاج النفسي يجعل الطبيب النفسي يرى العملية العلاجية تحتاج إلى نفسٍ طويل قد يكون عقل الطبيب لوحده لا يكفيه لذلك يحتاج إلى غيره، و الأكثر اهمية يجعله يرى العيادة هي ليست مكاناً لسرد النصائح على المرضى لكنها أولاً مكاناً لكي نفهم سوية مع المريض ما يحدث في حياته، عدم التدريب على العلاج النفسي يضع لبنة أخرى في بناء غير سوّي يقوم على أساس أن مهارة الطبيب النفسي و تميّزه عند دخول المريض عليه هي دقّة التشخيص و فقط و ليس فهم المريض بكينونته.
على سبيل المثال .. العلاقة العلاجية مع مرضانا هو أمر من أبجديات العلاج النفسي لأهميته القصوى و هذا الأمر حتماً لا تصنعه كتب الطب وحدها و لو كتبوا عنها ما كتبوا لإن القراءة على الورق لا تسمن عند اللقاء مع مرضانا، لكنه أمر يحدث بالتدريب و الإشراف في منظومة تدريب للعلاج النفسي، الإختبارات الورقية في نهايات تدريب الأطباء لا تعلّمنا البعد العاطفي في الغرفة و لا حتى الإختبارات العملية، الحياة ربما تعلّمنا كيف نعامل الآخرين لكنها لا تعلمنا كل شيء و إن علّمتنا أمراً فإنه ليس بالضرورة هو الأفضل و الأصح، مآسي من الممكن حدوثها في بعض العيادات لعدم دراية القائمين عليها بهذه الأمور البدائية في أدبيات العلاج النفسي من العلاقة العلاجية مع المرضى و الاستفاضة هنا كحقل الألغام لي شخصياً لذلك اترك لنباهتكم صيد ما أقصده و هو طائرٌ في سماء سطوري.
السبب الرابعلإن العلاج النفسي هو تخيّل مرضانا
لو وقفت عند باب عيادة الطب النفسي و سألت كل مريض جديد يأتي للعيادة للمرة الأولى ما هو تصورهم للزيارة الأولى؛ فهنالك نسبة لا يُستهان بها ستكون إجابتهم هو أمر له علاقة مباشرة بذلك التصور المرتبط بالعلاج النفسي، سيتصوّر أنه (سيتحدث) مع الطبيب عن مشكلته و الطبيب (سيناقشه) فيها بطريقة لم يناقشه فيها أحدٌ من قبله و (يخبره) أمور يحلّل فيها الطبيب وضع مريضه، مراجعة تحليلية لعدة مقالات و دراسات بحثت سؤال مهم مفاده: ماذا يريد المرضى الزائرون لعيادات النفسية و ماذا يريدون معرفته؟ تلخصت أن معظمهم يريدون المسلك العلاجي الكلامي و يريدون معرفة التوضيح لما يمرون فيه، المثير أننا كأطباء عندما لا نلبّي رغبة المريض في أولوية التدخل العلاجي النفسي الكلامي فإن المخرجات و رضا المريض يكون اسوأ حسب مراجعة تحليلية أخرى و التي كذلك وجدت عُلوية رغبة المرضى في العلاج النفسي من ثم العلاج المزدوج، حرفياً ضخمة كمية الأبحاث التي تدعم نقطة أنّ رضا مرضى عياداتنا النفسية مرتبط بأمور سيكولوجية بعيدة تمام البعد عن الأدوية و ناقلات أدمغتنا العصبية.
نحن هكذا كبشر في غالب الأمر عندما ننزعج نبحث عن من نتحدث له، فطرتنا و من طفولتنا نبحث عن المتكأ الذي نحادثه عن ما يحتوينا، المرضى يريدون أن يتحدثوا عن الذي امتنعوا في الحديث به مع غيرنا، غيرهم قد لاحظوا حزنهم أو قلقهم أو اضطراب نومهم و شهيتهم و كل مقاييس التشخيص المعروفة، لكن غيرهم لم يلاحظ حيثيات أفكارهم و كبرى همومهم و رغباتهم، عدم وجود تدريب في العلاج النفسي يجعل هذه الخانة مفقودة، و هذا الفقد محبط لكثير من المرضى و يجعل هنالك حاجز وهمي بين المريض و الطبيب ربما يؤدي لإخفاء و تجاوز المريض عن ذكر بعض أعراضه و أفكاره لطبيبه، الطبيب إن لم يتدرب على العلاج النفسي ففي غالب الأمر ستكون هذه الخانة ليست بالضرورة حياته أعطته من التجارب و النشأة و الخبرات ما تساعده لإجادتها و مساعدة مرضاه فيها.
السبب الخامسكبحاً للإندفاع .. و اللحظات الغير مقنعة!
التدريب على العلاج النفسي يعطي بُعداً ذهنياً أقوى لدى الطبيب بأنّ هذا المريض قبل أعراضه هو في شخصه نتاج أمور عديدة نحتاج إلى فهمها قبل (الاندفاع) في توجيهها و مناصحتها.
ما قصدي بالإندفاع هنا؟
هو ذلك التسرع بسرد و الترديد لذات النصائح على كل المرضى و الأهم الاندفاع في سردها من أول سؤال و لقاء، هذا دليل عدم تدرب و ممارسة للعلاج النفسي بدون شك.
أقولها و أنا متألم .. أجد العذر لدى الأطباء المتدربين من تخصص الطب النفسي أو التخصصات الأخرى عندما يندفعون بنية بديعة و جميلة لنصح المرضى أو المباشرة سريعاً للتخفيف عن آلامهم بطريقة متعجلة من أول لقاء و فيها تعاطف قد يكون مؤذي في غالب أحواله، أجد العذر لهم و لكنني أعتب على العملية التدريبية إن كان هذا هو ديدن أغلب مخرجاتها و هذا ما يحدث في أغلب غرف الأطباء المتخرّجين منها.
و ماذا أقصد باللحظات الغير مقنعة في العيادة؟
هي تلك اللحظات من التبريرات أو الحلول الجاهزة الغير مقنعة للمريض بل و حتى لذات الطبيب، عدم التدرب على العلاج النفسي يصنع كثيراً من هذه اللحظات بل قد يُخيّل للطبيب أن من أوصاف عمله كطبيب نفسي أن يعطي حلولاً سريعة للمريض و نصحه إياها رغم عدم اقتناع المريض في نظرة عينيه و صمته و ربما مجاملته.
السبب السادستخفيفاً لحالة الطلاق بين الأطباء و الأخصائيين النفسيين
سأتحدث هنا و سأحاول الحياد .. و من الحياد قولي أنني لن أنجح فأنا طبيب المهنة و القلب .. لكن إعلان عدم حيادي هو اقترابٌ أكثر لنجاح محاولتي بالحياد.
قبل أن أتعمّق هنا .. هل هنالك حالة طلاق بالفعل بين الأطباء و الأخصائيين النفسيين؟
الإجابة لا بالعموم، قرابة سبعة سنين من حياتي بالسويد لم أشاهدها بل أقرب زملائي كانوا من الأخصائيين و الأخصائيات، عملت بالسعودية ما مجموعه سنة و نصف و أستطيع القول أن المشهد العام و الخاص لا يعطي إيحاء الطلاق بشكل واضح لكن ربما الكواليس الأكاديمية و التراكمات التاريخية في القطاع لها أثرها الذي يجعلنا نرى بعضاً من المناوشات، و هذا في سياقه التاريخي لتخصصنا ربما غير غريب، الطب النفسي تنقّل من كنبة فرويد لإبهار الأدوية من ثم ثورة بيك بإكليشة العلاج المعرفي السلوكي و انتقالاً من التحليل النفسي العصبي الذي تؤكده الأبحاث الطبية و يتخللهم ذلك عدم فعالية الأدوية مع الكثير و عدم اتساق الأدلة للعلاجات النفسية مع منظومة البحث الطبية، هذه الأمور من التنقّل و التردد لابد أن يخلّف ما يخلّفه من إثراء بديع و كذلك خلافات على قارعة الطريق.
نعود لنقطتي .. كيف عدم تدريب الأطباء على العلاج النفسي ببرامجهم التدريبية تزيد من حالة الطلاق بين الأطباء و الأخصائيين النفسيين؟
بالمختصر المعضلة في ظني تحدث معظمها في (التأسيس الأكاديمي) و من الجانبين، عدم الإلزام بتدريب العلاج النفسي للأطباء المتدربين سوف يكرّس فكرة أن العلاج النفسي هو أمراً من الآخر المجهول الغير مهم في عمليتنا العلاجية، إذا القائمين على التدريب لم يُدرجوا العلاج النفسي كأمر تدريبي إلزامي من الطبيعي أن المفهوم السائد سيصبح تعميق أنّ العلاج النفسي هو شيء ثانوي و أن الحالات السهلة و البسيطة لا تحتاج لجهدنا نحن الأطباء و أدويتنا لكن دعها للإخصائيين النفسيين، أنا عندما لا أراك مهماً في تأسيسي الأكاديمي (سواء كنت طبيباً أو أخصائياً نفسياً) فكيف لي أنا أرى أهميّتك في باقي مشواري الطبي و العيادي؟!
أنا هنا في تساؤلاتي أتمنّى وجود المنهج الجيد التأسيسي من الطرفين لكننا يبدو أننا لا نعاني من وجوده في المناهج لكن ربما المعضلة تعود لشيء ما حدث أو يحدث للقائمين على ذات المناهج، أنا هنا أكتب بحسن ظن أنّ عدم إدراج تدريب العلاج النفسي في تدريب الأطباء (أو عدم جعل الأطباء بشكل أوسع هم من يقدّمون محاضرات الجانب التشخيصي و الدوائي في دراسات علم النفس العيادي للأخصائيين النفسيين) هو أمر أجبرتهم عليه أسباب أخرى لوجستيّة و ليس هي تراكمات عدم أهمية العلاج النفسي في اعتقادهم أو عدم أهمية الطب النفسي و خرافات تشخيصاته و أدويته.
السبب السابعختاماً .. من أجل متعة التخصص
كيف التخصص بدون تلك اللحظات مع مرضانا في جلسات العلاج النفسي؟
كيف التخصص بدون بصمة العلاج النفسي على خلجات أنفسنا نحن كمعالجين و التعرف على أفكارنا و انحيازاتنا و مآخذها؟
كيف التخصص بدون تلك العلاقة العلاجية التي تصنع فها مع مريضك واقع مختلف عن اللحظة الأولى التي دخل فيها عيادتك؟
بالطبع التخصص حينها لا طعم له و لا نكهة.
لا نملك بهرجة و برستيج و فلاشات التخصصات الطبية و الجراحية بالخصوص لكن بالعلاج النفسي وحده نملك من المتعة ما لو علموا بها لحاربونا عليها بمقصاتهم و أدواتهم الجراحية.
و لإنني بدأت بإقتباس من فيلم عطر امرأة فلا بد أن انتهي به هنا .. يبدو أن سحر الأدوية و سهولتها و قيامها بم لا تقم به ساعات العلاج النفسي جعلتنا منغمسين في التوكّل عليها و جعلتنا ننسى اللذة الأكثر عمقاً في العلاج النفسي خلال هذه الرحلة.