S A M I S A A D
single blog
الوصمة الناعمة
يناير 2, 2024

تدوينة بتأصيل بحثي عن بعض مظاهر وصمة الأمراض النفسية في مجتمع العاملين بقطاع الطب النفسي

لويس و قلين أصدقاء منذ الأزل قبل أن يكونوا أصدقاء حروف مقالي هنا، عملا سوياً على دراسة منذ فترة جدا طويلة، طويلة للدرجة أنني كنت حينها ربما للتو تعلمت أن أعيش بدون جلباب رضاعتي، نعم دراستهم كانت في عام 1988.

حينها سألوا سؤالاً بسيطاً: هل نحن العاملين بالقطاع النفسي عموماً و الأطباء النفسيين خصوصاً لا نحبّذ العمل مع مرضى اضطرابات الشخصية، يبدو سؤالاً عادياً لكن حيثيات كل سؤال تُشكّل مدى ضخامته، هذين الرجلين قاموا بعرض حالات مرضية قصيرة على أطباء نفسيين و هذه الحالات تحمل في طياتها أعراض من اضطرابات الشخصية، لويس و قلين عندما طرحوا سؤالهم و عرضوا هذه الحالات كان حينها جدل كبير حول تشخيص هذه الاضطرابات الشخصية و حتى مراجع التشخيص كان هنالك فيها اختلاط بين هذه التشخيصات و عدم وجود حدود شبه واضحة بينها، هذه الحيثيات من (عدم الوضوح) جعلت أجوبة وتحليل الأطباء النفسيين أن هؤلاء المرضى هم أشخاص (متلاعبين، باحثين عن الاهتمام، مزعجين بل و هنالك من هم أكثر حاجة للرعاية الصحية منهم)، هم لإنهم يجهلون ماهية مشكلتهم و لم يقتربوا أكثر من معرفة حقيقتهم حينها لا بأس بأن يصفوهم (و يوصموهم) بهذه الصفات، و لاحظوا أن هؤلاء العاملين هم يوصمون أناس حضروا بمحض إرادتهم لعيادتهم و ليس لأناس قد تكون أقصى معرفتنا بهم مجرد حروف الكترونية أو ماذا يقول الرأي العام عنهم، نتيجة دراسة هؤلاء الأصدقاء تلخصت أن الأطباء النفسيين بعينة الدراسة حينها أظهروا تحيّزاً سلبياً موصوماً بالانتقاص لهؤلاء المرضى، قد تقولوا هؤلاء قوم قد افضوا إلى ما قدّموا و نحن أبناء اليوم بعيداً عن أصدقائك و رضاعتك و هذا حقيقي على الأقل عن رضاعتي، لكن دراسة شبه حديثة في عام 2017 طرحت ذات استبيانات أصدقائي و كانت النتائج متقاربة بينهم.


ربما من أكثر تعريفات الوصمة استخداماً بالمراجعات منبثقة من اطروحات جوفمان في ستينات القرن الماضي لإنه ربما من أوائل من تناول الوصمة من منظور الأمراض النفسية بعيداً عن التوصيم العرقي أو الديني أو الجنسي، يرى جوفمان أن الوصمة هي عبارة عن (وصف ملوث بشدة يحول شخص كامل و طبيعي إلى شخص تالف و متدني)، ربما شخصياً أرى نفسي منسجم مع طرح بروس و أصدقائه عندما وصفوا أن التوصيم يحدث من التجمع الذي يكون أكثر قوة في نطاق أي تجمع بشري، و هل هنالك أقوى من الرداء الأبيض في أردهة مستشفياتنا؟! ربما نعم أحياناً أولئك المتشخصون في مكاتب الإدارة لكن تماسكوا مع طرحي قليلا : )

هذه القوة في المعرفة و الخبرة و العلم تعطي الشخص بعضاً من التبرير لذاته كي يحكم على هذا و ذاك و يعاملهم بطريقة فيها من الدونية، عموماً وضع تعريف محدد فيه صعوبة و ذلك يعود لاختلاف نواحي الوصمة فهنالك وصمة المجتمع و هنالك وصمة الشخص نفسه لذاته و هنالك الوصمة المانحة و وصمة الأنظمة و الوصمة المركبة و خلافه.

هنا نقطة نظام مهمة قبل أن انطلق في سطوري ألا وهي أن الوصمة عندما أتناولها هنا عليكم أن لا تأخذوا ذلك الجزء القاسي العنيف من تطبيقاتها ومظاهرها، وصمة العاملين بالطب النفسي إن صحت العبارة فإنّ مظاهرها أكثر نعومة و انسيابية، هي عندما تأتي لا تكون واضحة ولا مباشرة بل تكون غالباً بنية صافية جيدة و في سياق ليس له صلة بالتوصيم أو خلافه بل ربما ينالوا الترحيب و الثناء عليها لكنها و بطريقة غير مباشرة تضع لبنة جديدة في بناء هذه الوصمة السلبية في عقلية المتلقي، و هي مظاهر بعضها لمحتها شخصياً و أغلبها تناولتها اطروحات الكثيرين قبلي و الأهم أنها مظاهر لا تختص بمجتمع معين لكن منتشرة بين جميع العاملين في أي مكان و التي لمحتها بذاتي كانت من بيئة عملي سواء بالسويد أو بالسعودية.

أطروحات كثيرة (وهي في أرقام البحوث نسبياً صغيرة) تناولت عن انتشار الوصمة المرض النفسي بين العاملين الصحيين بالقطاع النفسي أياً كان التخصص الوظيفي (حتى الممرضين منّا و الذين كانوا ببعض المراجعات هم الأسوأ أو الأفضل في التوصيم)، و بعض الدراسات نتائجها كانت (مخيفة)، و في كل حرف من كلمة مخيفة ستجدون مرجع لبحث وجد أن العاملين بالصحة النفسية قد يملكون نسبة مرتفعة أو متقاربة من الوصمة مقارنة بعموم المجتمع وخصوصاً ضد مرضى الفصام، عدة تفسيرات تم مناقشتها ربما من أكثرها تداولاً هي اعتقاد العاملين بصعوبة الشفاء و تعقد الأعراض لذلك علمهم بهذا يجعلهم أكثر سوداوية في تحليلهم.

مع المظاهر الناعمة ..

هل سمعتم عن قاعدة قولدواتر؟ هذه القاعدة اسمها يعود لأحد قدامى المرشحين للرئاسة الأمريكية حيث قامت مجلة بعمل استبيان صحفي يضم عاملين بالطب النفسي لتقصي رأيهم عن هذا المرشح الرئاسي و انتهى الاستبيان بأن أغلبية المختصين وجدوا أن هذا المرشح غير مناسب نفسياً لقيادة أمريكا، الرجل قاضى الصحفية و كسب قضيته ومن حينها صدر قانون في منظمة الطب النفسي الأمريكية يمنع أي طبيب نفسي من إصدار رأيه و تحليله النفسي في شخص لم يقابله شخصياً.

أظن أنّ مِن أنعم مظاهر الوصمة للمختصين النفسيين هو تماماً كما حدث مع قولدواتر، هذا المشهد من جرّ التخصص و سحبه لميادين ليس له فيها لا راية و لا مكسب، هذاك المظهر من التبرع بالتحليل النفسي ورمي التشخيصات هنا و هناك لكل شيء، بل جعل كل الأمور الغاية في الاعتيادية أيضاً لها تحليل و عمق نفسي، قد يكون هذا الفعل عفوياً و أجد تبرير ذلك حظوظ نفس المختص أو عدم فقهه بعدم صحة هذا الفعل، لكن إن كان جرّ التخصص النفسي لأمور ليست من (صميم) ميدانه لتحقيق غرض أو تمرير سياسات فأظن أن هذا العمل يُسيء أيّما إساءة للتخصص وعامليه، لا تُدخلوا تخصصنا العزيز علينا في حروب ليس له فيها لا ناقة ولا غنيمة، هذا الإغراق في تحليل كل أمر يشجع المتلقي على إيجاد أو حتى اختراع نسبية من ال (لا) مرضية أو ال (لا) اضطراب فيما تناولناه و لو كان ما تناولناه غاية في السلبية و الاضطراب، هذا المظهر يجعلنا في عين الآخرين مجرد أشخاص يرون الجنون و الاضطراب في كل شيء و هذا من أبجديات الوصمة عن مختصي القطاع النفسي.

أحد المظاهر الناعمة بين عاملي الصحة النفسية و التي تزيد من الوصمة هو مظهر (عَضْوَنَةُ) الاضطرابات النفسية إن صح المصطلح و مقصدي فيه هو تركيزنا في التوعية أن الاضطرابات النفسية هي أمراض بيولوجية أو جينية كأي مرض عضوي آخر، أحد الدراسات وجدت أن هذا التوجه من التوعية بأن الأمراض النفسية هي في حقيقتها أمراض عضوية تجعل المتلقي نعم يتحسن في عدم لوم المرضى لكن الأغلبية بعد هذه التوعية العضوية أصبحوا يظنون أن هؤلاء المرضى هم بشر من درجة أقل و أصبح هنالك تضخم في الفوهة بيننا نحن (الأصحاء) و بينهم هم (المعتلّين) و قد تعمّق فكرة عدم التحسن العلاجي و التي كانت ربما هدف الحملة التثقيفية دحض هذه الفكرة، بل أن نتائج هذه العضونة للأمراض النفسية على الأمد البعيد المزيد من التصرفات الصارمة مع المرضى و الصورة النمطية عنهم، في حقيقة الأمر هذه العضونة تجعل المتلقي لطيفاً ربما في لومه و السطح من تصرفاته يبدو متعاطفاً لكن في قرارة نفسه ما زالت الوصمة ثابتة عن ذات المريض لذلك يكون المتلقي حينها في حالة من الصراع الداخلي في ذاته عندما يكون بالقرب من المرضى و يظهر ذلك في تصرفاته الغريبة حينها، أحد الدراسات التي شملت 3 دول وجدت أن المسافة الاجتماعية بين المرضى و ذويهم من جهة و المجتمع من حولهم من جهة أخرى تزيد و تصعب في حالة تعميق هذه الصورة البيولوجية العضوية للمرض النفسي بالمجتمع، هذه الجزئية من العضونة تحتاج لكثير من التعمق و لو كتب الله لي عمراً سأفرد لها تدوينة خاصة.

ربما أحد تطبيقات هذا المظهر الناعم العضوي هو تقسيماتنا للمرضى بيننا و في تعبيراتنا (المريض السكيز من السكيزوفرينيا و المريض البايبولار و المريض الإيبس كما يُطلقون عليه هنا بالسويد اختصارا لتشخيص الشخصية الحادية EIPS) هذه التعبيرات ربما تنفرد بذاتها في مظهر ناعم آخر للتوصيم في قاطع العاملين، هذا النوع من الوصف للمرضى بالضبط ينطبق عليه تعريف (التمييز الوصمي)، و ربما هنا قد يقول قائل: و ما المشكلة مع هذا التمييز؟ هنالك عدة مشاكل في أهمها أن هذه الألفاظ التمييزية تصبغ صاحبها المريض بكل الأوجه المرضية البالغة في التعقيد و الشروط التشخيصية لكل تشخيص، يجعلنا نرى هذا المريض كأي مريض آخر غيره يحمل ذات التشخيص من السلبية و التعقيد، و هذا التمييز علمياً ليس صحيح و أدمغتنا ليست مقسمة كتقسيم كتب التشخيص النفسية، الحديث هنا يطول لكن ربما أحيلكم لمقالة علمية تنال هذا التمييز بل تدعو لإلغاء تصنيفات التشخيص الحالية لصاحبها البرفيسور المثير للجدل سامي تميمي، بطبيعة الحال أن التمييز في النظام التشخيصي الحالي هو أمر لا مفر منه لكن اللفظ التمييزي و ايحائه عند نطقه و البيئة العلاجية التي تدور فيها الألفاظ التمييزية هي التي تلعب أكبر دور، ربما تمييز المرضى بطريقة لفظ أخرى ستخفف من وصمة هذا المظهر.

ابدأ سرد المظهر الناعم التالي بهذه الصورة الكرتونية لكن سأدع شرحها لآخر هذا النص، أحد الأركان الستة للوصمة المتعلقة بالمرض النفسي التي طرحها جوناس و أصدقائه في كتابهم كان ركن (منبع المرض)، نسبة كبيرة من الآخرين ينظرون للمرض النفسي بأنه فقط نابع من ذات تصرفات المريض و قراراته و مرضه تباعاً لذلك، هذه النظرة تجعل الآخر يرى المرض النفسي كشيء قابل للتحكم و السيطرة و ليس للنواحي البيولوجية و الوراثية و الاجتماعية أي دورٍ يُذكر، لذلك – في ظنّي – هذا الزخم من نصوص التحفيز و فيديوهات شحذ الهمة و عبارات اشراقات الصباح المتكررة من العاملين بالقطاع النفسي في وسائل التواصل الإجتماعية (و التي لا شك من نجاعتها في أمور و مساحات علاجية كثيرة) قد تُغدّي في المتلقي هذه النظرة من التحكّمية في حياتنا عموماً و خصوصاً في حياة مرضانا، هو عندما يرى الطبيب أو المختص النفسي الفلاني يستخدم هذا العبارات الرنّانة المشرقة يظن أنها أدواتنا في عياداتنا مع مرضانا لذلك لابد أن الذين يعانون من اضطرابات النفسية لم يطبقوا نصائحنا و لم يتحكموا في حياتهم و بذلك أصبحوا مرضى و الوصمة في كل هذا المشهد تنمو و تعلو، من الجانب الآخر ذلك التحليل النفسي لكل شوارد البشر و مظاهر تصرفاتهم و التحليل الذي ينتهي بأن تصرفات بعض البشر هي نتاج أمور خفية و خلافه،،الخ أقول أن هذا التحليل المغدق (المتكرر) من العاملين بالطب النفسي يصبغها بصبغة الطب النفسي حتى لو كانت من صميم رأي الشخص و أدبياته، تكرارها يجعل الآخر المتابع يفكر في ذاته و يرى عدم تطابق هذا التحليلات المكررة عليه و على من حوله و بذلك يرى هذه التحليلات مجرد خزعبلات من هؤلاء النفسيين و نفسيتهم التي أصابها اضطرابات تخصصهم و لو كان فيها جانب من الصحة.

الصورة الكرتونية تعود للشخصية لوسي في سلسلة بينوتس الكرتونية (أطول حكاية تمت روايتها بالتاريخ البشري) حيث كانت لوسي تقف في مركزها و تقدم نصائح نفسية مقابل مبلغ مالي و كانوا شخصيات المسلسل يأتون لها لحل مشاكلهم الاعتيادية و كانت هي تعطيهم أسوأ النصائح النفسية (بالمناسبة هذا النوع من الطرح التلفازي يعتبر أيضاً من وصمة الميديا للمرض النفسي).

هذا المظهر السابق ذكرني بمظهر ناعم آخر أظنه غير صحي و يزيد من فوهة الوصمة ألا و هو أن تكون أطروحاتنا و تحليلاتنا المرضية و العلاجية نحن العاملين بالمجال النفسي جلّها تدور حول فُلك المريض و ذاته فقط، على سبيل المثال لو تتابعوا أطروحات الاحتراق الوظيفي الرسمية و المؤسسية لدينا ستجدون أن أغلبها تدور حول عوامل الخطورة المسببة للاحتراق لدى ذات أشخاص الموظفين و نصائح لهم لتجنب الاحتراق و كيفية العلاج منه و خلافه، هذا الطرح قد يبدوا جيداً في مظهره لكنه يحمل في طياته معول آخر في زيادة فوهة الوصمة، نحن عندما نركز على ذات الشخص و أنه سبب المشكلة و به يبدأ حلها و عليه فقط نركز، نحن نقول له بذلك أن الخطأ منك و منبع المشكلة فيك و لا نلتفت لأي سبب اجتماعي أو اقتصادي أو في ذات المنشآت الوظيفية التي قد تزيد من عوامل الاحتراق و هي أسباب مثبتة علميا في أبسط أطروحات الاحتراق الوظيفي، بل حتى أن الاحتراق الوظيفي بين الأطباء هنالك نقاش كبير الآن على مدى كونه في حقيقته عبارة عن جرح و إصابة أخلاقية لدى الأطباء سبّبتها المؤسسات الطبية و اقتصادياتها والحكومات في تكوينها أكثر من كونها تشخيص طبي، قارنوا بين هذا النقاش الذي يقلل من الأسهم المتجهة نحو الطبيب و بين على سبيل المثال لا الحصر برنامج داعم الذي انشأته الهيئة و الملاحظات التي تحدثت بها سابقا في تدوينة أخرى عن بعض مظاهر سلبياتها التي فيها ملمح وصمية رغم سمو البرنامج و جودته في حقيقة الأمر.

مثال الأطباء هنا فقط على سبيل المثال على هذا النوع من الطرح النفسي المتمركز فقط على ذات الشخص ويزيد فيه همه على هم معاناته و بهذا نزيد فيه حدة الوصمة الذاتية (التي هي نوع من أنواع الوصمة بالمرض النفسي).

و ماذا عن المظاهر الأخرى ؟

أنا هنا تطرقت للمظاهر الخفية الناعمة لكن بطبيعة الحال هنالك مظاهر أوضح و وضوحها دليل شراستها (مثل اجبار المريض على التنويم رغم عدم احتياجه، عدم اخبار المريض وأهله تشخيصه المحتمل كالفصام، التعامل الدوني الغير مراعي لحقوقهم مع المرضى النفسيين عموما و الفصام خصوصا، تقليل أي عرض جسدي منهم و تفسيره أنه نتاج مرضهم النفسي، الخ) و لإنها بهذه البؤس فظني أن المجتمع الطبي النفسي في بالغ البعد عنها.

هنالك أيضاً أنواع أخرى من الوصمة أزعم أنها أشد أهمية في منطقتنا من تدوينتي هذه عن الوصمة الناعمة و منها الوصمة المؤسسية مثل (حقوق المريض عموماً و النفسي خصوصا في المؤسسة الصحية و المجتمعية، حقوقه بالتأمينات، قلة الميزانيات للصحة النفسية، الأقسام النفسية الأشبه بالسجون و التي تقبع هنالك في الجزء الخلفي المستتر من المستشفيات،قلة الأقسام النفسية بالمستشفيات العامة و جعلها بمباني منفصلة أو مستشفيات مستقلة تصنع أجواء من الظلام حولها، قصر و ضعف مدة تدريس الطلبة بالكليات الصحية لمادة الطب النفسي،، الخ)، هذه الأحزمة من الأنظمة و السياسات لا تغدي وصمة المجتمع عن المرض النفسي لكنها تغدي وصمة أشد عمقاً وهي وصمة المريض عن نفسه و مرضه في ذاته كما وصفتها كروكير في أطروحتها.

لن أكون جالداً لذاتي ولكل القطاع، نحن ربما في أحياناً أكثر لسنا سوى من ضحايا هذا التوصيم، أحد أنواع الوصمة هو الوصمة بالإرتباط أو courtesy stigma

هي الوصمة التي تنال الأشخاص المقرّبين أو العاملين على خدمة الشخص الموصوم و لها آثارها السلبية الكبيرة، دراسة وجدت أن 60% من الآخرين حول العاملين بالقطاع النفسي قد ضحكوا على مجال عملهم النفسي بل 30% منهم قد عاشوا ضغط عائلي عليهم لترك وظائفهم بالصحة النفسية.

لا تنسوا دور المجتمع الذي نعيشه وتأثيره على طرق تفكيرنا منذ نعومة أظافرنا، نحن لم نهبط من الفضاء عليه بل نحن أبنائه و جزء من سياقه و خلايا (عقله الجمعي)، ومجتمعنا لديه نسبة وصمة للمرضى النفسيين مرتفعة جدا حسب الدراسات، لذلك أي مظاهر فيها توصيم هي نتاج عدة أمور و من عدم الحياد العلمي التغاضي عن تأثير البيئة علينا كعاملين بالمجال إن لم تكن العامل الأكبر، ناهيكم عن وجود دراسات عديدة تؤكد أن العاملين بالقطاع النفسي هم الأقل وصمة مقارنة بغيرهم من القطاعات الصحية.

أيها العاملون بالقطاع النفسي .. نحن جميعاً رائعون، نحن واجهنا هذا الكم من الوصمات و العقبات و تقدمنا لهذا المجال البديع، روعتنا دليلها هذا المد التوعوي البديع على الأرض بالحملات التوعوية و كذلك بوسائل التواصل، نقاش مجلس الشورى المتخصص بالفحص النفسي قبل الزواج (الذي غردت عنه شخصيا في تويتر و كتبت عنه هنا تدوينة و غيري الكثير أيضاً للتحذير من ضرره على المرضى و الوصمة لو تم اقراره) كان أبرز من عارضه بتويتر حسب اطلاعي هم العاملين بمجال الطب النفسي بكل فخر، بالرغم من أن هذا الاعتراض كان مستغرباً من العامة و هذا وضع طبيعي ربما في مناخ مجتمعنا الذي تحدثت عن وضعه و أثره بالأعلى، هذا الكم البديع من الحملات التوعوية و الفيديوهات التثقيفية النابعة منكم أنتم العاملين بالصحة النفسية و نفتخر بها تفعل الأفاعيل الكثيرة في تقليل الوصمة.

عودة لأصدقائي لويس و قلين، هم في حقيقة الأمر ليسوا إلا بروفسورات يعملون في إنجلترا و لا تجمعني علاقة بهم إلا هذه الحروف و لا أريد أكثر من ذلك أيضا لإنهم في ختام دراستهم قاموا بالتوصية بحذف تشخيص اضطرابات الشخصية من المراجع التشخيصية لما تسببه من مشاكل للمرضى و العيادات، تباً لهم ظننتهم أردوا إنقاذ طروادة فكانوا هم حصانها!

ختاماً ،، أنا هنا لا أكتب كي ابرئ نفسي، هي محاولة مني للتحليل و التعمق و تأصيل ما يحتاج للتأصيل، هي محاولة الزام على ذاتي كي أُجاهد ضَعْفي و هفوات لساني لتهذيبها عندما أرى نفسي أمارس أو على مقربة من تصرف فيه شيء من الوصمية ضد مرضانا، هي محاولة اخراج الحروف من لساني كي اكبل بها جوارحي.

شكراً للقراءة!