(تدوينة قصيرة)
شخصياً، أميل لتسمية (مريض) ولا أرتاح لأي تسمية أخرى وبالخصوص تسمية (عميل) وأتفهم كذلك استخدمها.
يبدو أن تسمية (عميل) فيها تقوية لمن يزور العيادة وتركيز على جوانبه الجيدة وكذلك فيها على ما يبدو نوع من التأكيد أن دور المعالج فيه الكثير من التوجيه والتمكين وليس العلاج وفيها تقليل لموازين القوى داخل الغرفة بين المعالج ومن يجلس أمامه (وهذه الموازنة ليست دائماً بالشيء الصحيح في سياقات كثيرة) وكذلك فيها تقليل للوصمة.
لكن؛ اصطلاحاً كلمة مريض أو Patient بمعناها اللاتيني فيها ايحاء العلة والقصور، هذا الايحاء تأكيده كذلك فيه جوانب جيدة لمقاومة أي تماهي أو انكار عن عدم وجود أي معاناة لدى من يزورنا، هذا التأكيد بوجود المعاناة مهم في سياقات كثيرة مع من يزورنا.
النقطة الأهم في ظني هو أن لفظ (العميل) فيه ملمح من الجانب العملي البحت، فيه جانب يجعل أي تفاعل عاطفي (طبيعي وعلاجي ومفصلي) هو تفاعل لا يتماشى مع لفظ (عميل) ومعناها الدارج، مفردة (العميل) فيها ايحاء من الخدمة المميزة والتدليل وأن العميل يأتي أولاً وهكذا، فيها الباس لبس (البيزنس) على شيء ليس له من البيزنس نصيباً، لفظ فيه نزع للمعنى الإنساني وراء العلاقة العلاجية بين الطرفين، لفظ (العميل) فيه شيء من الطابع الصناعي التقني الحذر والممنهج وهذا أمر لا أريده في العلاج النفسي وليس من شريعتي، مريض يحضر لعيادتي هو مريض سوف ينال من داخلي الإنساني في أمور عدة لا يمكن تضمينها في أي علاقة أحد أطرافها شخص نطلق عليه مسمى (عميل).
نقطة أخرى؛ لفظ العميل فيها نزعة خدمية بحتة، فيه نوع من أن الخدمة من اتجاه واحد وهو من جهة المعالج، فيه ايحاء أن هنالك من يدفع والآخر (وهو المعالج) عليه تقديم الخدمة المدفوعة، فيها كذلك – وهنا نقطة مفصلية – أن لفظ العميل يجعل موضوع الثقة بين الطرفين هو موضوع فيه جانب مبني بشكل كلي على التعاقد والحقوق والواجبات، موضوع الثقة هنا موضوع أصبح بلفظ ال(عميل) هو موضوع قابل للشك بدرجة أكبر، لكن في ظني أن مفردة (مريض) تجعل موضوع الثقة موضوع فطري انساني منطقي.
وإن كان تقليل الوصمة هو هدف لاستخدام لفظ (عميل) فالوصمة في ظني تحدث كذلك في استخدام لفظ (العميل) من جهتين دقيقة للغاية، الجهة الأولى من أنها ذاتها فكرة استخدام لفظ مختلف وغير معتاد – كلفظ العميل – فيه تأكيد لوصمية الأمر والخزي الذي يحدث حوله، الجهة الثانية هو صناعة قطبين إحداهما (عميل) والقطب السيء الآخر وهو قطب من ينطبق عليه لفظ (مريض)، هذا المشهد فيه وصمية تحدث اتجاه أي شخص ينطبق عليه لفظ (المريض) وهو الشخص الذي قد يكون مصاب بإضطراب نفسي شديد ولا تنطبق عليه المعايير الناعمة لمفردة (عميل) مع أن مقدم الخدمة (وهو المعالج) هو نفسه في الأمرين سواء مع العميل أو المريض، هذه الازدواجية تصنع طبقية والتي هي وقود أي تفاعل وصمي.
ختاماً، بالإمكان تحقيق أي من أهداف استخدام لفظ (عميل) الذي ذكرتها بالبداية في شخص يحضر في عيادتنا ونطلق عليه (مريض)، وربما فارق التسمية لا يهم كثيراً لكن اللغة في اعتقادي لها تأثيرها الخفي ومن المهم الانتباه لأمور مثل هذه، بالعموم الاستخدام يعتمد كثيراً على الإطار العلاجي وطبيعة العيادة وطبيعة الخدمة والزوار، منظمة علم النفس الأمريكية رسمياً تستخدم عبارة (مريض) لأسباب كثيرة اغلبها تشغيلية وتأمينية وإنسانية وكذلك توحيداً للغة، فرويد كان يستخدم لفظ المريض لأسباب عديدة منها المنحى الطبي لفرويد وكذلك ولادة العلاج النفسي بوضعه الحالي من رحم مدخلات طبية.
في أحد الاستطلاعات التي مررت عليها وجدت أن أغلبية الزوار يفضلون استخدام لفظ (مريض)، لكن لكل بقعة جغرافية وسياق ثقافي تأثيره الكبير على هذه الأمور.
عزيزي القارئ؛ ما اللفظ الذي يناسبك حين زيارة العيادة؟