S A M I S A A D
single blog
بين الجيم في ستوكهولم والجيم في الطندباوي!
يناير 9, 2024

سأحدثكمالآن كيف كنت في ظني في شخصي المعتاد مثل أي يومٍ آخر، وفجأة في مكانين مختلفين لا يفرق بينهما أكثر ١٠٠ كيلو في المسافة أصبحت اسأل نفسي أسئلة عن حقيقية شخصي ومكوناتها بسبب اختلاف العادات والمعتقدات الخاصة بالجانب الثقافي من كل بقعة؛ هذا الفرق حدث فقط في مسافة ١٠٠ كيلو فما بالك لو كان الفرق دول وحدود وآلاف الكيلومترات، قد تظن أن الفرق أكبر وبالفعل هو كذلك لكن ليس دائماً بسبب محاولات تقارب الثقافات في السنين الماضية ،لكن في حقيقة الأمر فإن الاختلاف الثقافي بين بقعتين لا تهمه كثيراً المسافة بينهما، فكما تعلمون .. أحياناً مسافة جدار بين منزلين كافية لصنع هذا الاختلاف.

نعود لقصتي .. بالسويد كان النادي الرياضي عبارة عن مكان تتجمع فيه كائنات متحركة تماماً صامتة، الكل يضع سماعته والذين يتحادثون فقط من معه مدربه الشخصي، أي تحادث آخر بين اثنين قد يُعدّ من خوارم المروءة ان ارتفع صوتهما، هكذا عشت زمناً ليس بالقصير وعليه تكيّفت، عندما عدت لجدة واشتركت بالنادي بصراحة لم أجد الفرق كبيراً، أضع سماعتي العازلة للصوت وادخل واخرج من النادي بدون أن انبس ببنت شفة، نعم هنالك تحادث هنا وهناك لكن ليس بالطاغي وبين اثنين يبدو أنهما يعرفان بعضهما من قبل

“A person is a person through other persons”Desmond tutu
في مكة ..
لكن مقصد قصتي هو ما حدث عندما بدأت اتمرن في نفس النادي لكن في فرعه الآخر بمكة صباحاً قبل بدايات دوامي، قبل أن اسرد ما حدث لابد أن تعلموا أن مكة -وأنا ابن بيئتها وشعابها- من المعتاد أن الكل يعرف الكل في أي بقعة، هكذا نحن في مكة .. الأصالة والاقتراب من بعضنا شيء في جيناتنا لا محالة، هذا الأمر توارثناه والبشر من أقطاب العالم يقتربون من أرضنا ..

أعود لقصتي .. حينما بدأت اتمرن في مكة، حرفياً في ذلك الوقت من الصباح الكل في النادي يعرف الكل، الكل يتضاحك ويتمازح مع الكل، ربما ليس الكل براضي عن جودة التواصل والأحاديث الصادرة من الكل لكن الكل متسق مع بعضه على هذا السياق الثقافي،، حينها وأنا بسماعتي وغرابة حضوري لابد أن الفت الأنظار، في قرارة نفسي أعلم أن ذلك الشخص -وهو أكثرهم حضوراً اجتماعياً- عندما ألقى عليّ التحية بعد تمريني الثالث هنالك؛ أعلم أنه فعل ذلك لطافةً منه لكي أكون ضمن دائرتهم ولا أكون الصامت بسماعته في كل تمارينه، لا يريدني أن أكون (خارج المجموعة) ولا يعلم أنني قد خرجتها منذ دهر بعيد، رددت عليه السلام والابتسامة وقلت في نفسي لعله اكتفى، لكن أعلم أن (مكاويّته) ستطغى ولم يخب ظني، بدأ من غير مناسبة يحادثني عن حال الدنيا وقهرها وأنا أحاول المجاراة لكن كنت كالضفدع وهو الأرنب في هذا المضمار، وفي قصتنا كان الضفدع هو النائم وليس المنتصر.

اليوم التالي ماذا تتوقعون سيحدث؟ .. نعم حاولت أن اتحاشى مكان دولابه وأمكنة تمرينه، تحاشيته لكن لإن الكل يعرف الكل فكنت أراه في أعين الكل والكل يراني بعينه، بدأت اسأل نفسي: من الغريب هنا؟ هل بإنطوائيّتي -التي كوّنتها بناء على ترسبّات ثقافية بأن النادي هو للتمرين والوحدة مع الذات- يعتقدون أنني أعاني قلقاً اجتماعياً؟ هل يظنون عنّي ظن من هو (خارج المجموعة) أو أنني من المجموعة الموصومة؟ بل .. بل هل أنا بالفعل لدي قلق اجتماعي وبعض لمحات التوحد سواء النمائية أو المكتسبة من أبناء سيفنسون السويدي؟ أسئلة لا أخفيكم مدى ازعاجها عندما تراودني كل ما دخلت ذلك الفرع

“النظرة المستمرة للباحثين في مجال الوصمة أن الخلفية الثقافية للأفراد هي التي تحدد الصفات التي يتم توصيمها مما لا يتم توصيمها”Crocker, J., Major, B., & Steele, C. (1998). Social stigma.
أعلم يقيناً أن هذه الأسئلة ابتدأت من عندي وانتهت كذلك عندي لإن الآخرين لم يلقوا لي بالاً، لكن أتعلمون سراً؟ هذا هو سر تدوينتي ومقصدها، كيف لذواتنا داخل السياق الثقافي أن ينالها التأثر والعطب إلى درجة الاعتلال النفسي، لكنها مليئة بالطبيعيّة في وسط سياق ثقافي آخر بعيداً عن أي مؤثرات اجتماعية، هذا الأثر ينال العمق منّا إلى عمق هويّاتنا عن أنفسنا، هكذا تفعل الثقافة إلى درجة الخلل الوظيفي لدرجة التحاشي والقلق الحقيقي، والأهم هكذا تفعل وصمة الشخص عن نفسه، هي كما وصفها باتريك كوريغان وأصدقائه بأنها تبدأ بـ(وعينا) بأننا في أعين من حولنا موصومين، من ثم تأتي تلك التساؤلات التي تجعلنا (نتفق) مع ما يظن الآخرين أنّه مختلفٌ في ذواتنا، وينتهي بـ(تطبيق) هذه المعاني السلبية على تصرفاتنا وحياتنا.